تجادَل صديقان خلال رحلتهما في الصحراء، فضرب أحدهما الآخر على وجهه. تألَّم الرجل الذي ضُرِبَ على وجهه، ولكنَّه ودون أن ينطق بكلمةٍ واحدةٍ، كتبَ على الرمال: "اليوم، ضربني أعزُّ أصدقائي على وجهي". استمرَّ الصديقان في مشيهما إلى أن وجدا واحة، فقرَّرا الاستحمام فيها. وفي أثناء ذلك، علقت قدم الرجل الذي ضُرِبَ على وجهه في الرمال المتحركة، وبدأ يغرق؛ ولكنَّ صديقه أمسكه، وأنقذه من الموت. وبعد أن نجا الصديق من الموت، كتب على صخرة: "اليوم، أنقذ أعزُّ أصدقائي حياتي".
تعجَّب الذي اعتدى بالضَّرب على صديقه ثمَّ أنقده من الموت، وسأل قائلاً: "لماذا عندما ضربتك في المرة الأولى كتبت على الرمال، والآن عندما أنقذتك كتبت على الصخر؟" فأجابه صديقه: "عندما يؤذينا أحد، علينا أن نكتب ما فعله على الرمال، حيث يمكن لرياح التسامح أن تمحوها؛ ولكن عندما يصنع أحدٌّ معنا معروفاً، فعلينا أن نكتب ما فَعَلَ على الصخر، حيث لا يمحوه أيُّ نوعٍ كان من الرياح".
يعتقد كثيرون أنَّ الاعتذار نقطة ضعفٍ لا يجب إظهارها أمام الآخرين، كونها دليلُ انكسار الشخص وهزيمته، ومن هذا المنطلق نجد أنَّ أكثر وأشدَّ المكابرين الرافضين للاعتذار هم الذين يصنِّفون أنفسهم بـ: "الطبقة المثالية التي لا تخطئ أبداً"، وفي حال صدرَ منهم خطأٌ ما، فإنَّهم يُعِدُّونه زلةً غير مقصودةٍ لا تستوجب الاعتذار أبداً، وخاصةً إذا كان من أخطؤوا في حقِّه أقلَّ منهم مستوىً من منظورهم الشخصيِّ، وهو ما يعدُّ تكبُّراً، والتكبُّر صفةٌ من صفات الشيطان . الاعتذار ليس دليل ضعفٍ أو فشل، وليس صفةً سيئةً نخجل منها كما يعتقد بعض الناس، إنَّما هي شيمةٌ من شيم الكبار، وخلقٌ من أخلاق الأقوياء، وعلامةٌ من علامات الثقة بالنفس التي لا يتصف بها إلَّا قليلٌ من الناس الذين يمتلكونَ القدرة على مواجهة الآخرين بكلِّ قوةٍ وشجاعةٍ وأدب، وستحمل الحياة دون اعتذارٍ معانٍ ندية، وتخلق جواً من التوتر والقلق بين الناس؛ إذ ينفي الاعتذار عن صاحبه صفة التعالي والكِبَر، ويمنحه المصداقية والثقة بقلوب الآخرين، كما يُزيل الاعتذارُ الأحقاد، ويقضي على الحسد، ويدفع عن صاحبه سوء ظنِّ الآخرين به، والارتياب من تصرُّفاته.